الاوتانازي "موت الرحيم" بين الانكار والتأييد في سياق رواية "الحق في الرحيل" للكاتبة فاتحة مرشد
بقلم: علي أولحسين
هو المدخل الكبير الذي اقتبسته الكاتبة المغربية "فاتحة مرشد" لروايتها كعنوان لها حيث اإستقته من قولٍ لشارل بودلير " من بين حقوق الانسان التي تحرص حكمة القرن التاسع عشر على تعدادها مرارا وتكرارا حقان مهمان ثم تناسيهما. الحق في التناقض والحق في الرحيل" ;وهو عنوان بارز لأحدى طابوهات التي تؤرق المجتمع العربي بحكم خلفيته الثقافية والدينية.
العنوان يحين لمدخل لكتاب او اشكال فلسفة يحمل موقفا صريحا، ويعني بمقتضى الحال انتقال من حال الى حال، او من مكان الى اخر او من عالم فيزيقي الى عالم مفارق ، وقد رئينا مع الكاتبة استثمار هذا المفهوم في كل إمكانياته، فالرحيل الجغرافي ثم رحيل الافكار الى آفاق اخرى ثم الرحيل على مستوى العواطف وكذا رحيل الانسان عن نفسه الى حدود الرحيل النهائي الموت.
وهي رواية تحكي قصة حب عفوية، نبتت كزهرة ربيع رغم ان حياة العاشقين كانت اميل الي الخريف من العمر. نما الامل في قلبيهما، وتكرس في الزواج والاستقرار لا بل في الاستمتاع بالعيش، بحسب الرغبة التي عادة ما يدفنها الانسان لعدم سماح ظروف الحياة بتحقيقها، هده الظروف نفسها هي التي سمحت بتحول الرواية من مجرد قصة حب الى قضية إنسانية كبيرة.
تدور احداث الرواية بين الكاتب الشبح الذي يكتب السيرة الذاتية الأخرين" شخصية مجهولة الانتماء" وبين البطلة إسلان تعمل كشاف المطبخ من صنف ثلاث نجوم، جمعهما القدرة في باريس لتبدئ الحكاية من هناك الى حين العود معا الى مدينة اكادير حيث تمرض اسلان ويتأزم الوضع صحي لها حتى وصولها إلى حينٍ جعلها تطلب الموت بدلا من المعاناة وقوة الألم الدي تعيشه يومياً ، في البداية استنكر الكاتب هذا الامر بتاتا لاعتبار خلفيته الدينية والثقافية، ولكن مع اصرار البطلة، بدأ هذا الامر يتسرب الى ذهنيه كجرثومة الى ان اقتنع بالفكرة
في حوار دار بين الدكتور مراد والكاتب الشبح تقول فيه الكاتبة على لسانهما .
"اتعلم ان الاوتانازي او موت الرحيم او غير مسموح بيه قانونيا في بلادنا ؟ اعلم ذألك , ثم نحن بصدد الحديث عن القانون ، علما بان الانسان هوا صانع هذا القانون ، وان القانون يعنى بالحالات العامة او الخاصة ، نحن بصدد الحديث عن حالة إنسانية تفقد انسانيتها في كل يوم ، انسانه تموت في اليوم الف مرة ، فمع كل ازمه تحس بأنفاسها تختنق وبنبضها يتضاءل ، ولم تعد لها حتى القدرة على الصراخ او الانين، اصبح عليها ان تقطع الما في صمت".
ان الموت واقعة حتمية على الكل، لكن الاشكال ليس فيه في حد ذاته، وانما في طرق الموت، فنحن عموما وان كنا نختار كيف نعيش فإننا لا نختار كيف نموت.
وتعد الاوتانازي واحدة من هده الطرق، حيث يمكن تعريفها بأنها ممارسة انهاء الحياة على نحو يخفف الالم والمعاناة، وفي سياق آخر هو إجراء تدخل معتمد مع الاعلان عن نية في انهاء حياة لتخفيف من معاناة مستعصية على الحل، ويوصف بكونه مرض مميت في مراحله الأخيرة.
فالجدل الدائر حوله هو حجة المعارضين التي تصفه بشيء من الاثنين، الطوعي ويصوف بأنه انتحار والقسري ويصف بأنه قتل ,بيد أن الاصح هو القول القسري بوجود علة قاهرة لا حل لها.وهده الفكرة هي المنفذ الوحيد الذي يسعى من خلاله البعض لتأسيس لفكرة " الموت المشروع ".
سعيُ الانسان هو ان يعيش حياة مشروعة تحفظ له كرامته واعتباره ، وبالمستوى الذي يرجوا فيها هده الحياة ، يطلب ايضا موتا مشروعا رحيما " اللهم توفني وانت راض عني" اي امتنا ونحن في كامل انسانيتنا ، فكل انسان مشروع نفسه وتحقيق الإنسانية هو مشروع الله في الارض قبل أن يكون مشروع البشر ، واذا ما غابت الكرامة والحرية والإرادة لم يعد للحياة معنى ،وتوقف المشروع بتوقف المعنى ، وتوقف هذا كله تصبح الحياة موتا رمزيا ، فالموت لا يخيف الانسان ،ما يخيفه هو التدهور الانساني ، فالبطلة بعد اصابتها بالسرطان ،استأصِل لسانها الذي يعطي معنى لحياتها من خلال حاسة الذوق، والمرض الذي جعل جسدها طريح الفراش افقدها الإرادة والحرية، وعجزها عن الحركة والكلام افقدها اسباب العيش وأنها اصبحت بعد كل هذا مقتنعة بأن رحيلها سيكون خلاصا من المعاناة التي تعيش فيها وسيكون رحيما لمن حولها.
يقول الروائي المغربي طارق بكاري " لا يهم متى سنموت، لأننَا في الأخير سنفعل، الأهم هو كيفَ سنعيش، إنَّ كل دقيقة، بل وكلّ ثانية هي في الحقيقةِ نعمةٌ، يجدرُ أن نستنزفها، إنَّ محدودية الحياة مدعاةٌ للأمل".
فإذا ما نظرنا الى الجانب الديني فإن الأمر مرفوض تماما بدعوى ان الحياة حق للجميع، وان الروح مقدسة وحده الله من يعطي او يأخذ الحياة والانسان لا ينبغي له مهما كانت الاسباب ان يقتل نفسه " ولا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيما " وبالنظر الى الاوتانازي من خلال بعض الجهات الرسمية الإسلامية على قائمتها مجمع الازهر الشريف والشافعية والمالكية فقد افتوا بتحريمه دون استثناء يدكر، بيد ان المجمع الفقه الاسلامي الدولي خالفهم في هذا الاستثناء وقال "في حالة موت الدماغ".
رأينا موقف الدكتور رشيد الذي يمثل موقف الاطباء وقد رفض رفضا قاطعا هذا الامر رغم علمه بحجم الألم الذي تعيشه، ورغم علمه بأنه لا امل لها في العلاج وان السرطان قد اخد في لحظته الاخيرة ،ينهش ما تبقى من جسدها ، رغم اطلاعه على بعمق المعاناة التي تعيش فيها اسلان والالم النفسي الذي يتركه دلك في نفسية الكاتب الشبح اقرب واحب اصدقائه في تلك المدينة ،كان موقفه "انني أكافح كل يوم من اجل انقاد روح انسان فكيف اقتل ما اكفاح من أجله يوميا".
ان مهمة الطبيب هو انقاد الارواح بين مخالب الموت، وقسم ابقراط يلزمه دلك مند القدم او تحت قوة القانون، والواجب الأخلاقي قبل كل اعتبار، لم تخول له أية سلطة التفكير في عمليات الاوتانازي ، التي باتت تطرح نفسها امام الوقع ، هي وقع لكنها مرفوضة في عالمنا العربي ، يوجد عدد من الدول على مستوى العالم، تسمح قوانينها بإنهاء الحياة، مثل سويسرا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ وبعض الولايات الأميركية,اي ان فكرة الموت المشروع وجدت ارضية تنمو فيها .
وفي الختام اننا لا ندعي التعرض بما فيه الكفاية لهده القضية في إطار رواية "الحق في الرحيل" فهذا الموضوع كبير جدا و الخوض فيه يكون على حساب الدين والطب والاخلاق والقانون ايضا ، هو موضوع كبير يخترق كل مجالات الحياة دون ان ينتمي لاحداها، وهذا الاشكال سيظل مطروحا طالما الانسان يرتقي في سلم الحرية والوعي بجوانب الحياة، وان القانون سيبقى في خدمة الانسان وليس الانسان في خدمة القانون وان الروح ستبقى مقدسة لكن تلك الروح السليمة القادرة على الاعمار والاستخلاف في الارض وجعل الحياة ابدع بانخراطها في التأسيس للحياة السليمة المشتركة، وان اليد ستبقى ممدودة لمن يُرجى في شفائهم ولو درة امل ، وان الطب بدا يستشعر أهميته هذا القضية، فالرحيل بمعناه الواسع هو تجليك في عمق قلوب الاخرين في الحياة، حيث يكون غيابك هو شكل حضورك، فالموت ليس قوة عدم، وانما بوابه وجود ارحم.
حياكم الله جميعا صديقي
ردحذف