جسور البيضاء تناقش كتاب "أنا أوسيلفي إذن أنا موجود"، للكاتبة الفرنسية "إلزا غودار"
كان لقراء مدينة الدار البيضاء أمس الأحد مع موعد لمناقشة كتاب "أنا أوسيلفي إذن أنا موجود"، للكاتبة الفرنسية "إلزا غودار"، في محاولة لتدارس مقاربات الكاتبة لظاهرة الـ"سيلفي"، الكتاب الذي عالج كل ما يرتبط بالذات والصورة واللغة والعالم، حاولت "غودار" تسليط الضوء على التطور الذي عرفته التكنولوجيا الجديدة وانعكاس ذلك على رؤية الفرد للعالم من خلال الأنا الافتراضية، وتدعو إلى خلق روابط أساسية مع الآخر، وهذا أمر يتعلق بالذات الاجتماعية، أما بخصوص الذات السياسية فتدعو من خلالها إلى خلق قيم إنسانية من نوع جديد يسهم فيها المجتمع، وتؤكد في نهاية عملها على ضرورة مقاومة المد الراديكالي للتكنولوجيا حتى تبقى للأشياء قيمة، تم في هذا اللقاء توزيع فصوله الثمانية على أعضاء جسور لمناقشته.
تطرَّقت خديجة زافو لأولى فصوله المعنونة بثورة تكنولوجيّة – إنسانيّة، فتحدثت عن القطائع السبع الكبرى كما أوردتها إلزا غودار في كتابها، القطائع التي عرفها نمط حياة البشرية في العصر الرقمي، من تراجُع الوسائط التقليدية لصالح وسيط جماعي، وثغياب الفواصل بين العالم الافتراضي والواقعي، كذا الشبكة الاجتماعية كمحل تُقاس فيه شعبيّة الفرد، ثم الإفراط في التواصل، بالاضافة لأهميّة اللاسلكي في زمننا زمن العصر الرقمي، وصعوبة التحكم في التقدُّم المعلوماتي، وأخيرا ظهور ربوتات بالغة الفعالية بإمكانها التحدُّث والتفكير، لها القدرة على القيام بأدوار اجتماعية.
في حين تناول الفصل الثاني والثالث عبد الفتاح مجاهد، ناقش التحوُّلات التي رافقت الثورة الإنسانيّة في الفصل الثاني، كإبدالات جديدة وتغيُّر معنى الزمان والمكان كأنهما شيء واحد، حيث أضحى تحديد هذين التصوُّرين رهين "بالموضوع/ شاشة"، واختصار الزمان والمكان في "الهنا والآن". وأيضا التحوُّل الذي شهده العالم الرقمي في ظل تراجُع الخطاب العقلاني لصالح الخطاب العاطفي، رغم الانتشار الواسع والسريع للصورة إلا أنها تتسم باللحظية وعدم الخلود، مما ينتج عنه تفضيل الشكل على المضمون معناه إنتاج الهشاشة والآنيّة. وتكون الصورة قد قتلت اللغة.
الفصل الثالث والمعنون بثورة ذاتية - تحوُّلات الأنا، عالجت غودار قضية الثورة
الذاتية بربطها بصورة الأنا الـ"سيلفي"، فقد ارتبطت الأنا فلسفيًّا
بالتفكير والبرهنة العقلية والهوية، لكن مع الثورة الرقميّة شوَّش على مفهوم
الأنا، فأصبح "الموضوع/ الشاشة" المحدد الرئيسي للأنا، وبظهور "التسويق
الذاتي"، أصبحت الأنا علامة تجارية يتم تداولها في الأسواق وتُباع بثمن
زهيد. وإذا كان "ديكارت" قد حدَّد الأنا في "أنا أفكر إذن أنا
موجود"، فالثورة الرقميّة حدَّدتها من خلال "أنا أوسِيلفي إذن أنا
موجود"، هذا الوجود يحيل على الصورة دون الجوهر، حيث أصبحنا عبارة عن صور،
وهذا يدفعنا إلى الحديث عن الأنا الواقعية والأنا الافتراضية.
في الوقت الذي تناول فيه أسامة يتوب الفصل الرابع "ثورة اجتماعية ثقافية- الهوية المتكلِّسة"، متحدثا عن علاقة الأنا بالآخر، موضحا أن التقاط المرء صورة لنفسه، في حد ذاته تساؤله عن الأنا التي أضحت غامضة وغير قابلة للإمساك. وأعادتنا بذلك للمقولة الفلسفية "اعرف نفسك بنفسك"، فحضور الآخر أصبح بالسهولة بمكان من خلال الشاشة، وهو حضور وجداني في عالم افتراضي. فالاعتراف لم يعد مرتبطًا بالعمل، بقدر ما أصبح مرتبط بأن يراكَ أكبر عدد من المتتبِّعين والنقر على زر الإعجاب؛ فهذا ضمنيا الاعتراف الذي أصبح الآخر شريكًا فيه ولا يمكن الاستغناء عنه.
كما كان الفصل الخامس ثورة إيروسية- إيروس في الممارسة، من نصيب فؤاد العناني، منطلقا من رؤى وزوايا نظر فلسفية في الموضوع، فالتقاط "سيلفي" حسب الكاتبة أمر بسيط وعفوي، يكاد يكون بمثابة تعبير عن الحياة، وبالتالي عبارة عن لعب، وقد يكون تعبيرًا عن السخرية من الذات. وتبعًا لهذا يكون بمثابة عن إرسالية غير قابلة لتأويل واحد، فهو صورة بلا لغة، وقد يلعب الـ"سيلفي" دور إعادة تركيب الذات الممزقة والمتشظية، ويتحقق هذا الأمر عبر الجسد، وتوجّه صور الـ"سيلفي" إلى العامة من أجل الاعتراف والاطمئنان النرجسي، ويلعب المتلقي دور القاضي في الشبكة الاجتماعية؛ فهو مَن يدعم أو يدمِّر نرجسيّة الفرد.
أما الفصل السادس ثورة باتالوجية، تناولته سفّانة إيراوي، في هذا الفصل نبَّهت "غودار" إلى مخاطر الـ"سيلفي" من قبيل الحديث عن الدور السوي والمرضي ودرجة التمييز بينهما، معبرة على أن فالإفراط فيه يمكن أن ينزع عنّا ملكة الحُكم، والسيلفي في سخريته أثناء العرض وجب فيه استحضار مسألة الألم والأذى الذي يمكن أن يسببه للذات المعروضة على الشاشة، وقد يساهم هذا الأخير في عزلة افتراضية السبب فيها مرتبط بالثورة الرقمية، وتغير الإبدالات التي واكبتها، وقد يتم داخل هذا العالم الرقمي قتل الـ"غير" افتراضيًّا نتيجة الاختلاف حول أمر ما في العالم الافتراضي، وقد يتحقق القتل دون سبب إمّا لغياب التواصل والدردشة أو عدم الإعجاب بما ينشره صاحب الحساب المقتول. ولعلّ هذا العمل مُدان من الناحية الأخلاقية في علاقتنا بالآخرين، ويمكن للحساب في عالم افتراضي أن يحقق الخلود رغم وفاة صاحبه.
تذهب "غودار" في الفصل السابع المعنون بثورة جمالية من المرئي إلى الرائي إلى أن الـ"سيلفي" يعد ثورةً جماليّة، حسب "أفلاطون" فما يجعل الشيء جميلًا هو الجمال في حدّ ذاته الذي لا نستطيع الإمساك به، فالـ"سيلفي" لا يسعى إلى إدراك الجميل، بل يروم إلى إدانة رؤية الواقع، لكن الصورة الفنية تبحث دومًا عن الابتعاد من الواقع، عكس الـ"سيلفي" الذي يقدم لنا مشاهد تنتمي إلى الحياة اليومية. وقد يتشكل الـ"سيلفي" في صورة خدعة، لكونه يسعى إلى جعل الواقعي مرئي من خلال عالم افتراضي، وقد يتحوّل الـ"سيلفي" إلى أيقونة كما هو الشأن بالنسبة إلى العديد من الفنانين والرياضيين والسياسيين.
الفصل الأخير بالكتاب ثورة إيتيقية- الأنا في كل بدائلها، تناولها المهدي
فكري، حيث تسعى الإيتيقا إلى إقامة قواعد ومبادئ تُمكِّننا من الفعل، فهي تُرغمنا
حتمًا على العيش بشكل مشترك ومتعاون، وقد أدَّت الثورة الرقمية إلى غياب الرابط
الإنساني بين الشعوب الذي تغيّر كثيرًا، خاصة في شقِّه الأخلاقي. وفي ظلِّ هذه
التغيرات يكون على الفرد لزامًا تبنّي إنسانية جديدة بتصوُّرات وقيم جديدة،
إنسانيّة رقميّة، ومن شأن هذا الأمر أن يدعونا إلى إعادة بناء عقد اجتماعي جديد
يتجاوز ما جاء به فلاسفة عصر الأنوار، وبعدها نأتي إلى تعريف الإنسانية مع الأخذ
بعين الاعتبار التحولات التي عرفتها التكنولوجيا الجديدة، وفي الأخير سيتم تحديد
قيم جديدة قائمة على دراسة الإنسانية الرقميّة و"الإنسان المَزيد". محذرة
من مخاطر اللوحات الرقميّة على الأطفال الصغار، واعتماد منطق التخفيف أو التخلي
الكلي من طرف الأسرة على تربية أبنائها فاسحة المجال للفضاء الرقمي للقيام بهذا
الدور.
كتاب دسم، لقاء ممتع ومفيد شكرا جسور
ردحذف