جسور تحتفي باللغة العربية بمناقشة أعمال د.عبد العلي الودغيري
بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، نظمت جسور القراءة أمس الأحد لقاء إحتفاء بهذه المناسبة، وتكريما لشخصية مدافعة عن اللغة العربية، من خلال قراءة في عملين من أعمال الكاتب عبد العلي الودغيري، الأول بعنوان لغة الأمة ولغة الأم قدمه الأستاذ سعد أزدو، في حين قدم الأستاذ المهدي فكري قراءة في كتاب اللغة والدين والهوية.
يعد الأستاذ عبد العلي الودغيري من المدافعين عن اللغة العربية، بقلمه الغزير وعلمه وتجاربه، في مقاومة دعوات إلى إحلال اللهجات العامية واللغات الأجنبية محل اللغة العربية. وهيمنة "اللوبيات" اللغوية الأجنبية في العالم العربي، ويسعى الاستاذ الودغيري جاهدا لإعادة الاعتبار للغة الأمة في وطنها الأم.
عبد العلي الودغيري شاعر وأديب وخبير في اللسانيات، في مدينة فاس، العاصمة العلمية والروحية للمغرب، ولد الودغيري في أربعينيات القرن الماضي، ودرس في جامعات محمد بن عبد الله بفاس، ومحمد الخامس بالرباط، والسُّوربون بباريس، وحصل على دكتوراه الدولة في اللغة العربية وآدابها، وعمل أستاذا جامعيا بكليتي الآداب بفاس والرباط، ورئيس الجامعة الإسلامية العالمية بالنيجر (تابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي) في الفترة بين 1994 و2005.
مكنه مساره الطويل وخبرته من الحصول على جائزة الملك فيصل العالمية في دورتها 41 في فرع اللغة العربية والأدب؛ وذلك لتميز أعماله وأصاتها. وفاز قبلها بجائزة الألكسو-الشارقة في دورتها الثانية عن كتابه "العربيات المغتربات"، في فئة الدراسات المعجمية. وكانت الدراسات اللغوية والمعجمية شغله الشاغل طيلة مساره العلمي الحافل بعدد من المؤلفات والمقالات والأبحاث، ومنها: "المعجم العربي بالأندلس"، و"الفرنكوفونية والسياسة اللغوية والتعليمية الفرنسية بالمغرب"، و"اللغة والدين والهوية"، و"اللغة العربية في مراحل الضَّعفِ والتبَّعيّة"، و"لغة الأمة ولغة الأم"، و"العربيات المغتربات.. قاموس تأثيلي وتاريخي للألفاظ الفرنسية ذات الأصل العربي والمعرب"، وهو الكتاب الذي حصل على جائزة الألكسو-الشارقة في فئة الدراسات المعجمية.
لغة الأمة ولغة الأم
يدرس الكتاب علاقة اللغة بالمجتمع ووظائفها فيه، لا تأتي أهمية هذا الكتاب من إحاطته بواقع اللغة العربية في بيئتها الاجتماعية والثقافية فحسب، وإنما من غزارة المعلومات الواردة فيه كذلك، وهي معلومات لا تقتصر على واقع اللغة العربية الواحدة، إذ تتجاوزه إلى واقع اللغات واللهجات الأخرى في العالم العربي (الأمازيغية، الكردية، التركمانية، الشركسية، السريانية، لغات السودان المتعددة. إلخ)، فضلًا عن واقع اللغات الأجنبية في مغرب الوطن العربي ومشرقه (الفرنسية، الإنكليزية خصوصًا)، إضافة إلى معلومات مهمة عن واقع التعدد اللغوي في دول كثيرة من دول العالم، وعلاقتها بالواقع السياسي لتلك الدول.
جاء الكتاب في مقدّمة وملّخص وثلاثة أبواب، وكل باب مؤلّف من فصول عدة، ويطرح ثلاثة أسئلة كبرى: سؤال مرتبط بشؤون التنمية والنهضة، وعلاقتها باللغة، وسؤال عن التعدد اللغوي، وكيفية إدارته سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا، وسؤال عن المصير، مصير الأمة، في ظل الواقع اللغوي القائم، وفي المستقبل المأمول، وعلاقته بالنزوع الوحدوي والانفصالي، كل على حدة.
بداية يضع الباحث العربية (في مجموعها الكلي: فصحى ولهجات) إزاء مواطناتها من اللغات المحلية غير العربية (لغات الأقليات الإثنية)، ويعدّ العربية لغة الأمة، بينما يعني بلغة الأم تلك اللغة التي يتحدث بها أبناء الأمة في بيوتهم، وفي علاقاتهم البينية (لكل أقلية عرقية لغتها الخاصة)، فلغة الأمة هي العربية التي تشترك في التفاهم بها جميع مكوّنات الأمة بمختلف شعوبها ودولها ولغاتها، وإن اختلفت طريقة أدائها من منطقة إلى أخرى. ويرى أن العربية هي المؤهلة أكثر من غيرها، تاريخيًا وواقعيًا، للنهوض بهذا الدور.
أما كلمة (أمة) فيستعملها الباحث بمفهومها وإيحاءاتها وخلالها الدلالية الخاصة التي تستمدها من رمزيتها وحمولتها الحضارية في الثقافة العربية الإسلامية، أي: المفهوم الذي يجعل من الأمة كيانًا أوسع وأشمل من الدولة أو الشعب أو الوطن في المعجم السياسي العصري. ويرى أن لغة الأمة لا تتوقف عند حدود التجاور مع مواطناتها من اللغات المحلية (لغات الأقليات العرقية)، وإنما تتعداه إلى التداخل في ما بينها، أخذًا وعطاءً، تأثرًا وتأثيرًا، ما أفضى إلى نتيجتين: إيجابية (الإثراء)، وسلبية (خلق اللهجات).
اللغة والهوية والدين
يتقدم الباحث الدكتور عبد العالي الودغيري في هذا الكتاب بمرافعة تذكر ببديهيات الصلة بين اللغة والدين والهوية، في سياق مشروع العمر الذي ندب نفسه إليه ووفاه حسابه، خدمة اللغة العربية بوصفها لغة الوحي والحضارة والهوية والتنمية والمستقبل.
يتكامل مضمون هذا الكتاب _ الذي تتشرف مؤسسة الإدريسي بنشر طبعته الجديدة المنقحة _ مع مضامين كتب سابقة ولاحقة للمؤلف العالم نفسه، تقدم للقارئ المغربي والعربي والمسلم، ولباحثي العالم المهتمين باللغة العربية في معترك التدافع الحضاري، أدلة وبيانات على مركزية اللغة العربية الفصحى، ضمن منظومة الوجود الحضاري للأمة الإسلامية، وعلى حيوية بينها وبين كتاب الله، والخطر الذي يهدد مستقبلها إذا أغفل أهلها عن هذه الحقيقة الوجودية.
0 التعليقات :
إرسال تعليق