أُمَّــة (اِقْــرَأْ) لا تَقْــرَأْ
سئل "ڤولتير Voltaire" من سيقود الجنس البشري؟ فأجاب: (الذين يعرفون كيف يقرؤون)، وكتب الفراعنة على باب أول مكتبة لهم: (هنا غذاء النفوس وطب العقول)، وفي الإسلام فأول أمر إلهي نزل على نبيه (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) وفي ذلك إشارة إلى قيمة القراءة كحاجة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها.
أ- فما هو الباب الذي تفتحه القراءة لأمة (اِقرأ) باب الأمل أم باب الوجع؟،
ب- للقراءة مآزقها وكمائنها فهل تستطيع أمة (اِقرأ)النجاة من هذه المآزق إن هي عادت للقراءة؟،
يقود هذا المقال إلى سفر شيق يهب خصوصيته للمتلقي بوصفه شهادة حسن النية في مصاحبة القراءة ولأسرارها الخبيئة في طرح قضايا جمالية وتخيلية لتأسس شروط وجودها في الكون بصفة عامة وفي أمة (اقرأ) بصفة خاصة التي لم تعد تقرأ ـ للأسف ـ، مقال يتجسس بعمق على المناطق الخفية للقراءة فهو لا يقدم أسئلة بقدر ما يثير أسئلة في وجود أمة (اِقرأ) لا تقرأ، هي مقدمة لا تريد توجيها مسبقا أو انتقادا لأمة (اِقرأ) بقدر ما هي تحريض العين على القراءة بضوء العقل فهذا الأخير دليل الإنسان بقوة بصره وبصيرته في ارتياد المجهول واكتشاف الألغاز والأسرار لعالم آهل بالعجائب والغرائب، أستغرب جدا من أمة (اِقرأ) لا تقرأ حتى من بقي منهم يقرأ يقرؤون متى شاءوا كأنهم يأكلون أو يشربون والنتيجة معروفة لدى هؤلاء فهم يتماشون مع الذوق التقليدي للمتلقين ولا يطورون في القراءة شيء رغم أنها من وظيفة القارئ، فالقراءة لا تبحث عن الاستفادة من الأشياء كي تكون قراءة إنما هي تحكي الشيء بلغتها كما تراه هي في زمنها أليس الكون بدون قراءة / قراء خراب ودمار؟ .
إنه سؤال في غاية الصواب والأهمية خاصة بالنسبة لأمة (اِقرأ) فالقراءة ضرورية انسانية تضفي على الحياة بكل مكوناتها و مكنوناتها عبقا من لذيذ الضوء على عتمتها المؤلمة كما أن القراءة تصبغ العالم بألوان الحب وبكل مفردات معجم الجمال، فكل وقت / أوقات القراءة هي لحظات شرسة تنهش في القارئ كل شيء إنها تحمله إلى أراضي جديدة ومناخ مغاير لكل لحظة وهي لا تشبع كذلك من انهاك قارئها كلما مارسها وهي أيضا وقت/أوقات حب بينها وبين قارئها حين يوافقهما اللقاء ويختلفان فيه على بعضهما حتى الامتزاج الذي لا يمكنه أن ينجح في عبور القراءة، لأن صهوتها تعلو و تهبط ، تتسع وتضيق بين لحظة وأخرى، تكتم الأنفاس وتزيد من ايقاع ضربات القلب كأنها الدخول في رحم الموت لاستخراج شهادة ولادة خاصة في ظل التطور الحاصل في المجتمعات.
لقد أصبحت القراءة بالنسبة لأمة (اِقرأ) هي الفرصة الوحيدة لتنصت إلى عزلتها وأحلامها وآلامها نعم هي فرصة لكي تنصت إلى باطنها المدغول بخصوصيته وخصائصه وصراخه المشحون بزخم الرغبة إلى إثبات أسئلة الحلم/الوجود، أمة (اِقرأ) تخاف الحقيقة العارية غير المغطاة بألف قشرة وقشرة وأنه من قراءتها ستكشف عن حال لها لا يقبله المجتمع المريض بالانفصام وبالتالي هو ما يصيب مكانتها الاجتماعية والاعتبارية وهي في جميع مراحلها تخاف من كشف حقيقتها قولا وكتابة وتشعر أن انكشاف هذه الحقيقة هتك لسترها، مما لا شك فيه، أن غياب القراءة وسط أمة (اِقرأ) قاس جدا ويبقى الأثر الذي لا يمحى وفي هذا عزاء لهذه الأمة، فلم يرى أي اهتمام حتى لدى المثقفين المهتمين ربما بسبب ضيق قنوات الاتصال أو لغياب الساحات الثقافية حد الفجيعة، وهذا جزء كبير من الإحباط الشخصي، لكل قارئ مرجعياته التخيلية و الجمالية لبناء عالمه والتي لا يمكن حصرها لأنها قراءة للحياة بكل مكوناتها التي تتراكم لحظة إثر لحظة لتشكل المصادر والمراجع الفكرية والجمالية، فالقراءة تجديد دائم وهي حلقات متشابكة يضيف كل قارئ حلقته إليها، صحيح أن قطع الحبل السري ضرورة حياتية لكن هذا لا يعني القطع مع الموروثات الجينية للقراءة الأمر الذي سقطت فيه أمة (اِقرأ) .
عموما، شخصيا فكم أتمنى أن تغدو القراءة وجبة حب يومية للإنسان فهي فعل تجدد به العلاقة بين الكلمات والواقع وفي نفس الوقت تمنيت وأنا أقرأ وأكتب ما أقرأه أن تكون للقراءة بالذات لغة واحدة حتى تجعلها كونية، فالكائنات البشرية خلقت لكي تفكر والقراءة شرط لاستمرار الحياة وأظن أن مستقبلنا يعتمد على مدى معرفتنا وقراءتنا للكون بما هو موجود وما وجد وما سيوجد من هذه المعادلة، وعليه أليس من واجب أمة (اِقرأ) التي لم تعد تقرأ أن تنظر في مرآتها الخاصة ثم في مرايا الآخرين لعلها تنبعث من رمادها؟ هل تمثل القراءة ضمير أمة (اِقرأ)؟ إذا كان الأمر كذلك من حقنا أن نسأل وبإلحاح: هل تستطيع أمة تحيي هذه المفارقة القاسية أن تحرز نصرا أو أن تصون قضية؟، عندما سئل وزير الدفاع الإسرائيلي "موشي ديان" ألا تخاف أن يعرف العرب خططكم ويتصرفون على أساسها؟ كانت إجابته:(العرب أمة لا تقرأ، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يتحركون) إجابة تختصر مشهد أمة (اِقرأ) لا تقرأ.
*مقالات الرأي تعبر عن رأي أصحابها فقط
0 التعليقات :
إرسال تعليق